Michel Crozier et Erierd Friedberg
تمهيد :
يعتبر نموذج التحليل الاستراتيجي لـ " كروزيه " و " فريدبيرغ " من بين المظورات الساسية لتحليل " الفعل الاجتماعي " في مجال علم الاجتماع و في تحليل السلوك التنظيمي و التغير التنظيمي . ةو علاقات السيطرة و النفوذ و الصراع داخل المجموعات ....
فقد تطور هذا المنظور عبر عدة دراسات و ابحاث قام بها كروزيه و فريدبيرغ طيلة سنوات ضمن البحوث التي كان يجريها مختبر علو اجتماع التنظيم الفرنسي .
1- أساسيات التحليل الاستراتيجي :
كما ذكرنا في المقال الذي تحدث عن مساهمات الفكر الكروزي في تطوير الادارة العمومية . أن التحليل الاستراتيجي ليس عملية سهلة فهو عملية متشابكة و مترابطة بين عدة مخلات و مخرجات .و الفاعلون بما لديهم من ثقافات و خبرات حول وضعيات العمل فإنهم دوما ينتجون أفعالا بها يستطيعون تحريك الأمور.
إذا فالتحليل الاستراتيجي بمنظوره النسقي يسمح بإيجاد نظرة دقيقة و حقيقية لما يجري في مواقع العمل .و هو يعتبر منهج بحث فريد من نوعه ، ذلك لأنه تضمن صورة مغايرة عن التنظيم و مخالفا بذلك النظريات الكلاسيكية .
فالتنظيم هو ذلك المجال الذي فيه يستغل الأفراد و يستفيدون من هوامش حرياتهم و هو محصلةأو نتيجة لألعابهم .فمسلمات هذا المنظور هي :
- التنظيم هو بناء أو تشكل اجتماعي ينتج من أفعال الأفراد.
- هناك دوما مجالا للعب أو المناورة بين المشاركين في التنظيم .و هذا المجال من الحرية هة الذي يحدد الفاعلين .
2 – أهم مفاهيم و مصطلحات التحليل الاستراتيجي :
لا نريد أن نتكلم بالتفصيل على هذه المصطلحات لأننا قد تكلمنا عليها في المقالة السابقة و لكن نريد إضافة و توضيح بعض النقاط لزيادة الفهم .
2 – 1 . الرهان أو القضايا Enjeu .
و هي تلك الأهداف أو القضايا التي من أجلها يقوم الفاعل ببناء استراتجيته اتجاه الآخرين . و هي تتميز بالتغير و التحول ، ذلك لأنه دوما يكون الفاعل إما في حالة ربح أو في حالة خسارة .و هنا تدخل مدي نجاح العقلانية في اختيار الوقت و الهدف و الاسترتيجية المناسبة .
2 – 2 . الفاعل L’acteur :
كما ذكرنا سابقا هو أن الفعل هو الذي يحدد الفاعل . فلا يمكن أن تكون أفعال بدون فاعلين . و الفاعل يكون إما فردا أو مجموعة .و قد استفاد كروزيه في تحليله الاجتماعي من ما جاءت به نظرية الفعل الاجتماعي . فالفاعل هو ذلك الفرد الذي له القدرة على التدخل و المشاركة في مشكلة ما . أي أنه مرتبط أو معني بها انطلاقا من رهانات يكتشفها و يتبناها .و ذلك لأن أي فاعل عنده شكل ما من أشكال النفوذ أو التأثير يستطيع به تحريك أو استعمال موراد ضائعة في التنظيم .و على كل فأنه إذا كانت القضية أو الرهان ضعيف عند الفاعل ، فإن الفاعل لا يكون له تحرك كبير و لا أهداف كبيرة .أو أن الأهداف غير مهمة عنده .و بالعكس إذا كانت الرهانات مهمة أو جماعية يكون الفاعل حينئذ يعمل لصالح الجماعة .
2 – 3 . السلطة Le Pouvoir :
يعتبر مفهوم السلطة مفهوم حساس و متفرع . حيث اختلفت فيه آراء المنظرين و المفكرين باختلاف مشاربهم .و أهم من تحدث عن السلطة هم علماء الاجتماع لارتباط هذا المفهوم بالحكم و السياسة .
و تعرف السلطة على أنها :
" إن السلطة تعني بكل بساطة انتاج آثار مرجوة " برتراند رزسل 1939.
و عرفها " روبرت دال على أنها " ( الطاقة التي يستعملها أي شخص للحصول على شيء ما من آخر لم يكن ليقدمه لولا ذلك التدخل ) .
أما ماكس فيبر فقد عرفها على أنها " سلطة شخص (أ) على شخص (ب) .هي قدرة (أ) على أن يفعل (ب) بعض الأشياء التي لا يعملها إذا لم يكن هناك تدخل من طرف الشخص (أ) .
أما كروزيه فقد عرفها على أنها علاقة تبادلية .فهي عنده " السلطة هي علاقة تبادلية و ليست ممنوحة ( Ahributive ) أي أنه لا يمكن أن نقول أن الشخص ( ب) يتحمل أوتوماتيكيا الأوامر الصادرة من الشخص (أ) .فالشخص ( ب) له هامش من التحرك ، و هو يقبل الأوامر أو الخضوع ببساطة لأنه يتحصل هو كذلك على بعض الأشياء كتبادل .
فإذا السلطة التي يتميع بها الشخص (أ) على الشخص (ب) هي قدرة (أ) على الحصول – في علاقته مع (ب)- على مفهوم تبادلي يوافق عليه (ب) و يفضله في خضم علاقة تفاوضية .
و بالتالي يمكن لنا أن نلاحظ في تحليل كروزيه لمفهوم السلطة على أنه اعتمد على مفاهيم "نظرية التبادل الاجتماعي " التي ترى أن علاقات الناس تخضع لعملية تفاوض و تبادل .و يكمن ذلك من استعماله لبعض مفاهيمها مثل " التكلفة – الربح –الخسارة - التفاوض – التبادل ....
و نتساءل كيف يتحصل الفاعل في التنظيم على هذه السلطة التي تمنحه استراتيجية الفعل ؟
يقدم كروزيه مفهوما جديدا في عملية استراتيجية الفعل ، ضمن ما يعرف بـ " منطقة الارتياب أو الشك ".
2 -4 . منطقة الارتياب La zone d’incertitude. :
في كل تنظيم يمكن أن تتواجد ثغرات أو معارف مفقودة لم ينتبه لها التنظيم الرسمي . مثال :لا يوجد مدة محددة لفترة صيانة الأعطال في الآلات أو تحديد وقتها .أو لا يحدد التنظيم حجم الرقابة التي يفرضها على العمال من طرف رئيس الورشة .إذا فإن مثل هذه الأمور الغمضة أو المبهمة إن جاز التعبير عنها هي ما يسميه كروزيه بمنطقة الشك أو الارتياب . و الفاعل الاستراتيجي هو الذي يحاول الاستحواذ عليها أو التحكم فيها ، ليمارس نوعا من الضغوط أو النفوذ أو السلطة على الآخرين .فهي مورد هام يتخذه الفاعل ليمارس فيه التحرك ضمن هامش الحرية .فالفاعل الذي يتحكم في هذه المنطقة يتمتع بالاستقلالية و القدرة على إخفاء لعبته .
2 – 5 . علاقة السلطة بمنطقة الارتياب :
كما أوضحنا من قبل فإن الفاعل الذي يتحكم في منطقة الارتياب هو الذي يتمتع بالسلطة و حرية التحرك ." كلما تحكم الفاعل في منطقة الارتياب جيدا كلما كان لديه سلطة أكبر ."
مثال عامل الصيانة فهو يمارس سلطة على رئيس ورشة الإنتاج و على عمال الإنتاج ،لأنه يتحكم في فترة وقت الصيانة و مدتها أي باستطاعته التلاعب بأعصاب العمال و رئيس الورشة فكلما كان عمال وحدة الانتاج متسرعين لتصليح آلاتهم لرفع الانتاج و الحصول على المردودية كلما كان لعامل الصيانة سلطة عليهم .أي أن حاجة العمال لصيانة آلاتهم هي مصدر قوة لعامل الصيانة .فهم يخضعون له في علاقة تفاوضية لربح المردودية . وهذا هو الذي يمكن أن نسميه بالفعل الاستراتيجي لكل لاعب . فما هي الاستراتيجية ؟
2 – 5 – الاستراتيجية :
هي مفهوم ارتبط بالحروب و القتال ، و قد استخدمه كروزيه ليعبر به عن تلك الألعاب " كرّ و فرّ " التي هي بين الفاعلين لبلوغ أهداف مرجوة . و هي التي تحدد سلوكهم و تصرفاتهم ، فهي فعل عقلاني بالنسبة لكل فاعل .
و يمكن تعرفها بـ " هي تلك الأفعال المتماسكة و المترابطة للسلوكات التي يتبناها الفاعل من جهة نظر خاصة به ،و تُوجّه هذه الاستراتيجية حسب نوعية الرهانات و الأهداف ."
و منه فيمكن أن نقول أن تصورات الفاعلين لتحقيق أهدافهم عبر هامش الحرية و ممارسة السلطة بفض تحكمهم في منطقة الشك ضمن عقلانية محدودة هي التي تدفعهم إلى تطوير عدة استراتيجيات في إطار العلاقات الغير متكافئة و ضمن نسق علائقي يحرك هذه الاستراتيجيات . و هو ما يسمى بـ " نسق الفعل الملموس أو الفعلي "
2 – 6 . نسق الفعل الملموس ( الفعلي ) :
هو محصلة مختلف الاستراتيجيات التي يمارسها الفاعلون .و هو ليس بالضرورة خاضع للرسمية و التنظيم الرسمي ، إنما هي تلك الألعاب المنظمة و المرتبة بين الفاعلين في علاقاتهم التبادلية تظهر فيها المصلحة و التنافر و الصراع .... فكل فاعل من هؤلاء يقوم برسم علاقات تفضيلية تساهم كلها نحو تحقيق أهداف محددة بواسطة ضبط جماعي Régulation de systeme .
3 – تطبيقات التحليل الاستراتيجي كمنهج بحثي :
لقد أدت الحاجة إلى استعمال عدة مداخل أو مناهج تحليلية في التنظيمات أو المؤسسات الاقتصادية أو السياسية على الخصوص ، و من أهما منهج التحليل الاستراتيجي لفهم سلوكيات و الأفعال الرمزية التي ينتجها الفاعلون في إطار ألعاب الفعل النسقي . و يمكن استخلاص بعض خطوات هذا المنهج وهي خمسة خطوات لهذا التحليل هي :
1 – تحديد الإشكاليات و الرهانات المطروحة في التنظيم .
2 – استنتاج من هم الفاعلون المرتبطون بها .
3 – دراسة كل فاعل لوحده بالتفصيل من حيث ( موارده ، نقائصه ، هامش حركته ، مدى تحكمه بمنطقة الشك ...)
4 – استخلاص و استنتاج الاستراتيجيات التي يظهرها أو يتبناها الفاعلون .
5 – دراسة التفاعل بين مختلف الاستراتيجيات المستنبطة من نسق الفعل .
و بعد هذه المرحلة و بعد أن نكشف نسق الفعل العام و مختلف الاستراتيجيات الموجودة ، نقوم برسم تخطيطي لتوضيح العملية التي تساعدنا على انجاح المشروع، من خلال تحديد المشروعات في كل قطاع و محاولة الكشف على الأفعال الضرورية لبلوغ ذلك